ان الوطن هو اغلى شيء يمكن ان يدافع عنه الانسان بعد دينه، فإن ضاع الوطن
ضاع معه كل شيء
وليس حب الوطن محض شعور فارغ أو عاطفة خاوية، بل هو أعمق من ذلك، فحب
الوطن إخلاص له بالقول والفعل وافتداء بالعمر
والروح والجسد، وهو بذل الغالي والرخيص في خدمته وبنائه وحمايته والذود عنه من كل شر
محتمل،
فالوطن حكاية تروي في أحداثها قصص الشعوب، فإنه يعكس بقيمته قيمتهم، وليست حضارته إلا نتاج
جهودهم وثمرة تعبهم،
ومتى كان الوطن عزيزا شريفا كان أهله أعزاء شرفاء، ومتى فقد عزته وشرفه تجرد أبناؤه
من أي عز وشرف،
فهو للأمة كالرداء للبدن، وكلما كان الرداء بهيا وفاخرا عكس غنى النفس من وراءه وأظهر
ما في روح أبنائه من قوة وعزيمة.
الإنسان المخلص لوطنه وأرضه هو من أدرك أن وجوده يتجلى فيها، وأن كرامته ترسخ برسوخها،
ومن ظن غير ذلك وأراد أن يبحث عن شرفه في مكان آخر فإنه كالذي يبحث
عن نسب جديد له،
فإن أفلح في تغيير ظاهره فجوهره أصيل ثابت، ولا مفر للإنسان من أصله، فإن أسوأ
ما يمكن أن يفعله المرء هو أن يتنكر لأصله
ويستبدل بأرضه وأهله أرضا غريبة، فإنه لو أحبها لن يلقى منها محبة الأم ولن تعطيه
ما تعطي أبناءها،
وعلاقة الإنسان بوطنه ليست علاقة مصلحة آلية تقوم على تبادل المنفعة بل هي وشائج صلة
وجدانية لا يقطعها نقص الخير
أو انعدام الفرص وسبل الرزق. قد يضطر الإنسان إلى السفر، ويجد في بلاد الغربة ما
لم يجده في موطنه،
وهذا لا يقطع حبل الوداد والوفاء، إنما يقطعه نسيان الوطن وذوبان الإنسان في عوالم أخرى
تنسيه عالمه ومكانه الأول وتدفعه
لإنكار فضله وجحود فرحه البكر وأمل الطفولة الذي عاشه في أرضه، أما إن صلحت النية
وأخلص الإنسان لأصله
ووضع إعماره نصب عينيه فإنه ليس بعيدا عن وطنه وإن حالت دونهما البحار، فهو يحمله
في قلبه حيث حل،
ويحميه ويبذل له بقدر ما يعمل ويتزود من خير يعود به إلى بلاده ليرد فضلها
ويرفع شأنها ويأخذ بيدها إلى قمة الحضارة والتطور.
خاطرة عن الوطن
خواطر عن الاوطان